الوقاية من إصابات المخ بين الرضع

ربما تتمكن علاجاتٌ تجريبيةٌ من إنقاذ آلاف الأطفال حديثي الولادة.

ربما يَحصُل الأطباء قريبًا على الكثير جدًّا من العون؛ لعلاج الأطفال حديثي الولادة.

ربما يَحصُل الأطباء قريبًا على الكثير جدًّا من العون؛ لعلاج الأطفال حديثي الولادة.

Sanjit Das/Panos

بدأ علماء الأعصاب والأطباء في التحرك نحو ما يأملون أن يكونَ ثورةً في العلاجات التي تمنع إصابة المخ في الأطفال حديثي الولادة.

ففي كل عام يموت ما يُقَدَّر بحوالي 800,000 رضيع، عندما يتوقف سريان الدم والأكسجين إلى أمخاخهم وقتَ الولادة. كما يتعرض الآلاف لإصاباتٍ في المخ، تتسبَّب في حالات عجْز عقليّ أو بدني طويلة الأمد، مثل الشلل الدماغي. وليس لدى العلماء سوى أدوات قليلة لمنع ذلك، لكنهم متفائلون بأن التجارب الإكلينيكية التي تُجرى حاليًّا سوف تغيِّر الأمور.

أَطْلَق شرارةَ التجارب إدراكُ علماءِ الأعصاب في تسعينات القرن الماضي أن بعضَ إصابات المخ يمكن إصلاحها. أحدثَ هذا الاكتشافُ ثورةً في البحوث الأساسية، التي بدأت الآن تؤتي ثمارها على المستوى الإكلينيكي.

ستبدأ في الشهر الحالي (يناير) في الولايات المتحدة دراسةٌ، لاختبار ما إذا كان هرمون الإريثروبيوتين – المعروف اختصارًا باسم “إيبو” EPO – يمكن أن يمنع إصابة المخ لمدة ساعاتٍ بعد الولادة، أم لا، إذا صاحَبَه خَفْضُ درجةِ الحرارة، الذي يتم فيه تبريد أجسام الأطفال إلى 33.5 درجة مئوية. وتُجرى حاليًّا في أستراليا تجربةٌ، لاختبار هذه المعالجة. ويبحث أطباءٌ في دولٍ معينة، من بينها الولايات المتحدة، والصين، وسويسرا تأثير “إيبو” على الأطفال المبتسرين، كما يختبرون تأثير علاجات أخرى – مثل الميلاتونين، والزينون، والأرجون، والمغنسيوم، وأَلوبيورينول، ودمِ الحبلِ السُّرِّي – على الأطفال المولودين بعد فترة حمْل مكتملة.

تقول جانيت سول، وهي متخصصةٌ في الأمراض العصبية بمستشفى بوسطن للأطفال في ماساتشوستس: “لقد تَغَيَّر العالَم حقًّا بالنسبة لنا”.

كان خفْضُ الحرارة العلاجيُّ أولَ الوسائل الناجحة، فقد أظهرت التجاربُ الإكلينيكية على امتداد العقد الماضي أنه يقلِّل معدَّل حدوث الوفاة وخطرَ ظهور اختلالات جسيمة في نمو المخ بمقدار 60%. وفي وقتنا الحاضر، يُعتبر علاجًا قياسيًّا في الدول النامية للأطفال الرضع الذين يعانون من نقص الدم والأكسجين أثناء الولادة.

تقول سول: “لا أستطيع أن أصِفَ لكِ كَمْ كان عظيمًا أن نستطيع فِعْل شيء لهؤلاء الأطفال، عوضًا عن الوقوف مكتوفي الأيدي، ومشاهدتهم وهُم يدخلون في نوبات المرض”.

ولأنّ خفضَ الحرارة لا يعمل بنجاح مع كل الأطفال1؛ قرَّرَ العلماءُ أن يبحثوا ما إذا كان إجراؤه بصحبة علاجات أخرى يمكن أن يساعد، أم لا. كان معروفًا أن “إيبو” يعزِّز إنتاجَ خلايا الدم الحمراء، حتى قبل اكتشافه2 في خلايا مخ الفأر في عام 1993، وهو يُستخدَم بانتظام بواسطة الأطباء لعلاج فقر الدم. وقد راودت ساندرا جول – المتخصصة في علم الأعصاب بجامعة واشنطن في سياتل – أسئلةٌ حول ما الذي يمكن لهرمون معزِّز للدم أن يفعله في المخ. وفي دراسات لاحقة على الحيوانات، وَجدَتْ أن الهرمون أوقفَ موتَ خلايا المخ، وساعد المخَّ على إصلاح نفسه3. أدَّى ذلك بعد سنوات قليلة إلى إجراء التجارب الإكلينيكية، التي أظهرت أن “إيبو” يمنع إصابات المخ في الأطفال الرضع.

السيرُ قُدُمًا

في شهر يونيو الماضي، سَجَّلت دراسةٌ أُجْرِيت بواسطة جول وزملائها نتائجَ شملت عشرات الأطفال المعرضين لخطر إصابة الدماغ، الذين تم إعطاؤهم “إيبو”، أو إعطاؤهم دواء وهميًّا، مصحوبًا بخفض حرارة الجسم، بعد الولادة مباشرة. وتَبيَّنَ أن أولئك الذين تَلَقَّوا “إيبو” كانت احتمالاتُ ظهور أعراض إصابة الدماغ عندهم أقلَّ من احتمالات ظهورها في الذين عُولجوا بالدواء الوهمي، وذلك حسب ما أوضَحَتْه فحوصُ التصوير بالرنين المغناطيسي، بعد مضي خمس سنوات4.

“لا أستطيع أن أصِف لكِ كَم كان عظيمًا أن نستطيع فِعْل شيء لهؤلاء الأطفال”.

قادت هذه النتائجُ إلى الدراسة الإكلينيكية الوشيكة، التي ستقودها جول بالاشتراك مع إيفون وُو – طبيبة أعصاب الأطفال بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسسكو – وستشمل 500 رضيع معرَّضين لإصابات محتملة في الدماغ، سيتم علاجهم في 17 مستشفى موزعة عبر الولايات المتحدة، أثناء الأربع والعشرين ساعة الأولى من حياتهم.

وسيتم علاج كل الأطفال بخفْض درجة الحرارة. وبعد ذلك، سَيَتَلَقّى نِصفُهم خَمْسَ جرعات من “إيبو” على مدارِ سبعة أيام، أما النصف الآخر، فسوف يُحقَن فقط بمحلول ملحِيّ. وسوف تقيس الدراسةُ – التي تتكلف 10 ملايين دولار أمريكي – ما إذا كان الهرمون سيعزِّز الصحة العقلية والبدنية للأطفال عندما يبلغون عامين من العمر، أم لا.

ويعكف الباحثون أيضًا على اختبار تأثير “إيبو” في الأطفال الذين يُولَدون مبكرًا في الأسبوع الثالث والعشرين من الحمل، وذلك في الولايات المتحدة وأوروبا. إنّ حدوث إصابات بالمخ في مثل هؤلاء الأطفال المبتسرين أكثر احتمالًا من حدوثها في الأطفال الذين يُولَدون بعد فترة حمل كاملة. وقد أسفرت دراساتٌ أبسطُ عن نتائج متناقضة فيما يتعلق بفوائد “إيبو” في هذه الحالات التي تحدث فيها الولادة مبكرًا جدًّا.

يقول الطبيب المتخصص في طب الأطفال حديثي الولادة، جيانكارلو ناتالوتشي، بجامعة زيوريخ – الذي كان ضمن فريقِ تجربةٍ أُجرِيَت في سويسرا؛ وأظهرت أن “إيبو” لم يحسِّن صحة الأطفال في عمر العامين، بعد أن سبق علاجُهم به كأطفال مبتسرين5– إنّ عواملَ مثل الجرعة قد تكون وراء هذه النتائج. وما يزال ناتالوتشي يعتقد أن العلاج يستحق الدراسة.

إنّ إجراء هذه التجارب صعب، لأنه من العسير تمييز ما إذا كان عَرَضٌ ما هو أثر جانبي للعلاج، أم هو نتيجة سبَّبَتْها إصاباتُ الرضيع.

ورغم المعوقات.. فإن جول وباحثين آخرين ماضون في طريقهم، مدفوعين برغبتهم في مساعدة أصغر مرضى في العالم. تقول جول: “إنهم في حاجة ماسّة إلى المساعدة”.

المصدر