دول العالم الثالث تحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد أرقام

تقول داينا روكميانينجسيه إنه يجب على واضعي السياسات الاطلاع على محتوى البحوث المنشورة، وعدم الاكتفاء بإحصاء أعدادهم فقط.

يعْلَم معظم العلماء أن عوامل التأثير الخاصة بالدوريات العلمية تمثل مقياسًا بدائيًّا ومضللًا – في بعض الأحيان – للبحوث المنشورة، إلا أن المقاييس البسيطة تلك ستظل تحتفظ بجاذبيتها. ونرى ذلك في تدشين مؤسسة النشر العملاقة “إلسفيير” Elsevier مسابقة خلال شهر يناير الماضي لعوامل التأثير، وكذلك الاستخدام المتواصل لهذا المقياس؛ لتقييم الأفراد الباحثين؛ ومكافأتهم.

هنا في إندونيسيا، بدأت الحكومة مكافأة العلماء الذين ينشرون بحوثهم في دوريات ذات عامل تأثير مرتفع، بمنحهم أموالًا نقدية. تهدف “الجائزة الدولية للنشر العلمي” إلى تشجيع العلماء على نشر بحوثهم في دوريات عالمية مفهرسة من قِبَل “سكوبوس”، أو “تومسون رويترز”. ويمكن للعلماء الأفراد الحصول على جوائز تصل إلى 100 مليون روبية (ما يعادل 7,400 دولار أمريكي) لكل بحث منشور، حسب عامل التأثير الخاص بالدورية.

وتتبنى دول نامية أخرى منهجية مشابهة. ففي تايلاند، تَمنح الجامعاتُ الخاصة حوافز للعلماء الذين ينشرون بحوثهم في دوريات تتعرض الأبحاث فيها لمراجعة الأقران. أما في فيتنام، لا تُمنح الجوائز المالية، لكن النشر الدولي يمنح العلماء “نقاطًا” تؤثِّر على تَقَدُّمهم الوظيفي.

في إندونيسيا، شهدت المرحلة الأولى من البرنامج فوز مؤلفي 475 بحثًا بأموال إضافية. ويمكن لذلك أن يصنع فارقًا جوهريًّا: فمبلغ الـ100 مليون روبية يبلغ 10 أضعاف الراتب الشهري الذي يحصل عليه أيّ عالِم يعمل في هيئة حكومية. ويمكن لتلك الأموال أن تساعد في بناء مشروعات طويلة المدى.

وبموجب النظام الحالي، يحصل العلماء المُمَوَّلون من الحكومة في إندونيسيا على مِنَح لعام واحد فقط. وأحيانًا تؤدي البيروقراطية إلى تأخُّر تسليم الأموال حتى منتصف العام، بينما يتعين على العلماء كتابة تقاريرهم النهائية في شهر نوفمبر. ووفقًا لرأي سانجكوت مرزوقي، رئيس الأكاديمية الإندونيسية للعلوم، يصعِّب هذا النظام على باحثينا النشر في دوريات ذات عامل تأثير مرتفع؛ نظرًا إلى ضيق الوقت الذي لا يسمح لهم بالعمل على بحوث دقيقة وعالية الجودة.

ويبدو أن الإحصاءات تؤيد هذا الرأي؛ فمن بين 159 دولة مسجلة في قاعدة بيانات مؤشر دورية “نيتشر” Nature Index، قامت 103 دول بنشر أقل من 100 بحث علمي في دوريات مختارة في عام 2015-2016، وتأتي إندونيسيا من بين هذه الدول. فرغم أننا رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، إلا أننا لم ننشر سوى 0.16% فقط من عدد البحوث المنشورة من قِبَل علماء أمريكيين في الفترة نفسها.

يُعَدّ برنامج المكافآت الخاص بالحكومة – رغم بساطته – وسيلة جيدة لإنتاج مزيد من البحوث ذات الجودة العالية، إذ يُعَدّ تعزيز الروابط الدولية وكتابة البحوث – إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية – منهجية أساسية لتحقيق التقدم العلمي.

“حتى يتمكن العِلْم من التأثير في السياسة، لا بد من طريقة يعبِّر بها العلماء، وتصل بها أصواتهم إلى الحكومة”.

وثمة شيء أكثر أهمية يجب عمله، فإندونيسيا تنتج عددًا قليلًا من الدراسات كل عام، إلا أن هذه الدراسات تخلص إلى نتائج يمكن أن تؤثر بشدة في العالَم بوجه عام، وفي إندونيسيا بوجه خاص. لذا فإنه من الخطر النظر إلى الأوراق البحثية باعتبارها المنتج الوحيد للعلوم بشكل عام. وينطبق ذلك بالقدر نفسه على القوى العظمى العلمية، ومنها الولايات المتحدة، وأوروبا، مثلما ينطبق على الدول النامية، مثل إندونيسيا.

في حالة إندونيسيا، تتضمن البحوث القليلة تلك دراسات حول التغيرات المناخية، وجيولوجيا الزلازل، وعلم الوراثة الخاص بالملاريا، والغابات الاستوائية، والأراضي الخث، والفيزياء عالية الطاقة. ويمكن أن تساعد النتائج في جعْل بلدنا مكانًا أفضل للعيش. ورغم ذلك.. وبناءً على خبرتي في تغطية القضايا العلمية، تتعرض غالبية هذه النتائج للإغفال عند وضع السياسات. وهذه مشكلة، يتعين على إندونيسيا –  وغيرها من الدول – التصدي لها.

في الشهر الماضي – على سبيل المثال – نشر علماء إندونيسيون دراسة حول نظام صدع جيولوجي جديد في المحيط الهندي، يزيد من فرص حدوث الزلازل في شمال سومطرة (S. C. Singh et al. Sci. Adv. 3, e1601689; 2017). ولا تقتصر قيمة هذا البحث على إسهامه في تعزيز مكانتنا العلمية في الخارج، وإنما تتعداها إلى دوره في تطوير سياسات التخفيف من آثار الكوارث في الداخل.

وحتى يتمكن العِلْم من التأثير في السياسة، لا بد من طريقة يعبر بها العلماء، وتصل بها أصواتهم إلى الحكومة. ففي العام الماضي، حاولت “أكاديمية يونج الإندونيسية للعلوم” أن تكون هي صوت الباحثين. وقد أخبرني بيري جولياندي – وهو أحد الأعضاء – أن الأكاديمية تواجه تحديات كثيرة؛ لضمان وضع السياسات من قِبَل الحكومة على أسس علمية.

أما الطريقة الأخرى لعبور الفجوة بين العلوم المحلية والحكومة، فتكمن في تطوير الصحافة العلمية في البلاد؛ لزيادة الوعي العام والحوار المجتمعي. فهناك حاجة ماسة إلى ذلك، ظهرت بشكل واضح في الملحمة طويلة الأمد التي تخوضها الحكومة، في محاولات للقضاء على داء الفيلاريات الليمفاوية، وهو من أمراض المناطق المدارية المهمَلة، وتُسَبِّبه الديدان.

ومن ثم، اقترح علماء من جامعة إندونيسيا أن تقوم الحكومة بإجراء تعديلات محلية على التوصيات التي أصدرتها “منظمة الصحة العالمية” WHO؛ للقضاء على المرض. تستند التوصية الخاصة بتناول الدواء على مدار العام إلى مواجهة نوع من الديدان، هو Wuchereria bancrofti، المسبِّب لنوع من داء الفيلاريات، هو الأكثر انتشارًا في العالم، وتبلغ دورة حياته من 9 إلى 12 شهرًا، لكن العلماء أكدوا أن نوع داء الفيلاريات الأكثر انتشارًا في إندونيسيا تُسَبِّبه ديدان Brugia malayi، وهو نوع آخر من الديدان، له دورة حياتية أقصر. كما أن التعاطي السنوي للدواء غير فعال، إذ يمنح الديدان وقتًا كافيًا للنمو والانتشار. وقد نشر العلماء النتائج في دوريات علمية (على سبيل المثال، T. Supali et al. Clin. Infect. Dis. 46, 1385 – 1393; 2008)، إلا أن وزارة الصحة تُصِرّ على تجاهُل هذه النتائج، وترفض تغيير الخطة.

لذا.. يجب تسليط الضوء على الفجوة التي تفصل بين الباحثين والحكومة، عندما يرغب واضعو السياسات في إندونيسيا – أو في أي مكان آخر – في صياغة استراتيجية لدعم العلوم. ربما يكون إنتاجنا البحثي قليلًا، لكن لا يزال بوسعنا عمل المزيد؛ لتحقيق الاستفادة القصوى منه.

المصدر